تأخذ جامعه القاهرة شكلا مربعاً ، وتقبع كلية الهندسة –وهي الكلية التي أدرس بها-مواجهة لأحد أضلاع المربع ، كما تقع المدينة الجامعية في مواجهة ضلع أخر يُشكل مع الأول زاوية قائمة ، ونظراً لأن طول وتر المثلث القائم أقل من مجموع طولي ضلعي القائمة ،يكون أقصر الطرق للوصول للكلية عبر الجامعه وليس من خارج أسوارها ، وهو الطريق الذي أتخذه كل يوم ..
أمشي مسرعاً ، أحاول اللحاق بمحاضرة لا أعلم هل سأفهم محتواها أم لا ، لكني أعلم جيداً مدي احتياجي لدرجات الحضور في تلك المادة ، أثناء سيري أخرج جدول المحاضرات من حقيبتي لأتأكد من مكان المحاضرة ، ثم أكمل سيري ، وعندما وصلت عند باب الجامعه الرئيسي .. وهو الباب الذي أخرج منه... وجدتها أمامي ...
لم أُصدم لمظهرها كثيراً ، فخلال خمس سنوات في الجامعه اعتدت رؤية مثيلاتها ، فقد أصبح من الصعب الأن أن تفرق بين طالبات الجامعه وفتيات الليل ، كانت ترتدي أقصر وأضيق ما يمكن ارتداؤه ، ناهيك عن كمية مساحيق التجميل التي تغطي وجهها ، لم أطل النظر إليها كثيراً ، فقد سمعت ما صدمني بحق ، سمعت صوتاً من خلفي يقول " عليا النعمة أبوكي ده راجل ..... " ...................
من مظهره يبدو عليه إنه طالب بالجامعه ، أي إنه ليس أحد العمال أو السعاة ، هو طالب .. زميل لي .. ولها .....!! لم تعره إهتماماً وتظاهرت بأنها لم تسمعه رغم قوة ووضوح صوته ، واصل كل منهما طريقه فواصلت طريقي لخارج الجامعه ، تزاحمت بداخلي الأفكار والأسئلة ، هي بالتأكيد تراه مخطئاً .. أوافقها علي ذلك ، وهو .. إن لم يكن يراها مخطئة ما فعل ذلك ، أوافقه علي كونها مخطئة ... لكني أري خطأها لا يبرر خطأه .. فهو كمثل من يتحرش بالفتيات معللاً ذلك بعدم احتشامهن ، كما أنه في جامعات أوروبا وأمريكا ، وهي الدول التي تصنع الموضة التي ننقلها حرفياً إلي مجتمعاتنا دون تمييز ، لانجد فيها من يبالغ في مظهره بهذا الشكل ، لكن تُري .. هل يستحق والدها أن يوصف بال " ... " ؟؟ ، هل رأي ابنته وهي تخرج من المنزل مرتدية مثل هذا الزي ؟؟ ، تُري هل من الممكن أن يكون هناك قانون يمنع ارتداء ملابس بمثل هذا الانحلال في الجامعه ؟؟ ، وإذا طُرِحَت الفكرة ماذا سيكون رد جمعيات حقوق المرأة ؟؟ ، هل توافق عليه حفظاً لبناتنا ، واحتراماً لقدسية الحرم الجامعي ؟؟ ، أم تعترض علي أساس أن " المرأة حرة ومن حقها تقلع اللي هي عاوزاه " .. ؟، تري لو وُضِعَ قانون يُجرم التلفظ بالالفاظ الخارجة وجعلت عقوبته الحبس ، كم دقيقة تستلزم لكي تمتليء السجون عن أخرها ؟، من المسئول عن جعل جامعاتنا وشوارعنا تصبح مثل نادٍ كبير للتعري ، ومن المسئول عن جعل نفس الأماكن مستنقعاً للألفاظ الخارجة ؟، هل هو نحن .. أم الحكومة .. أم الغزو الغربي .. أم انعدام الثقافة .. أم سوء التربية .. أم البعد عن الله .. أم .. أم .. أم ........؟؟؟؟؟؟؟؟
أخرجني صوت أبواق السيارات من دوامة الأسئلة ، ليذكّرني بأن عليّ عبور الطريق ، نظرت في ساعتي ، وقبل أن أعبر الطريق رفعت بصري إلي السماء ....... وتوجهت لهما.. ولغيرهما .. بالدعاء .....................